للتو عاد من الرحلة الوحيدة اليومية التي يؤديها بسعادة من بين ركام الواجبات التي تثقل يومه على مدار ساعاته , التمشي على قدميه وسط ضجيج المارة وصخب الشارع الذي يمتلئ بكل ما يعكر صفو اشد الاذهان صفاءً , مع هذا , ومع صراخ الباعة وتذمر سائقي السيارات ونتف الشكوى اليومية التي تثقل سمعه من هنا وهناك , شكوى اعتاد هو نفسه ان يرددها عندما يكون وسط اصحابه بعيدا , معزولا عن افكاره التي تريحه وسط هذا الجنون , كان يبتسم ..
فقد تعود في مثل هذا الوقت ان ينتظر على ناصية الشارع ليراها وهي تنزل من الباص محملة بمختلف الاحمال كل يوم كتب او صحف او اكياس طعام او ملابس احيانا واحيانا تكون خالية الوفاض فيستطيع ان يميز ابتسامتها الرقيقة والهالات السوداء الخفيفة حول عينيها .. وعندما لا تكون منشغلة بتوجيه الكلام لطفلها بصوت حنون متذمرة احيانا من انه لا يصغي اليها .
لكم اراد ان يقدم لها المساعدة في حمل تلك الاكياس او الكتب , وكم تنازعته الرغبة في ان يقول كلمة للصغير وان يجعله يبتسم لتبتسم هي, وكم اراد ان يخبرها انه مستعد ان يستمع اليها مهما كان الحديث لمجرد ان يسمع صوتها.
تسائل اكثر من مرة هل تعرف بوجوده؟ هل تعرف انه ينتظر هذه اللحظات الهاربة من النهار بل من يومه كله لتقتنصها عيناه فيختزن فرحتها لباقي اليوم ؟ لا يعرف.. ولن يعرف .. وكلما ابتسم تكسرت ابتسامته على هذا السؤال .. هل تعرف؟
اخيرا .. قرر ان يخبرها مهما كانت النتيجة, وماذا يمكن ان يحدث؟
لا شيء, فقط.. انه سيخسر الابتسامة الوحيدة الصادقة والنابعة من القلب في كل يومه .
قرر ان يكتب لها رسالة, اجل الرسالة هي الحل الافضل لهذا القلق, من اقدم العصور كانت الرسائل هي الوسيلة الاولى التي يلجأ اليها كل عاشق, ولم لا ؟ حتى وان كان في عصر التكنلوجيا لا يهم الرسالة شيء رومانسي رقيق تداعب حروفها عيني من نحب.
عزم على ان يكتب, جميل .. العزم جميل, ماذا سيكتب؟
شعر ان كفه تتعرق وان الكلمات تتطاير من امامه كعصافير صغيرة قبل ان يمسكها.. اخيرا كتب بخط متعرج
(( تعرفيني انأ عادل جيرانكم وانأ احبكي واريد اعرفكي اكثر على نفسي واعرفكي على نفسكي لاني احبكي جدن؟ وكل يوم انتضركي ؟ واريد ان اساعدكي في الاغراظ , لاكن اتردد. ارجو الرد
عادل))
شعر ان قلبه سينفجر من قوة النبض , وكأنها تقف امامه , لكنه كان راضيا عما كتبته مشاعره بكل صدق وصراحة فهو انسان طيب ويحبها بصدق , يريد ان يساعدها او يرضيها ..
في اليوم التالي انتظرها كما يفعل كل يوم وقبله عاود قرع طبول الحب من جديد بنفس القوة استجمع كل شجاعته واستوقفها .. سلمها الورقة وعيناه تنطق بالكثير بمعلقات العشق التي لا تستطيع كل الرسائل ان تجمع معانيها..
فتحت الورقة دون تردد وقرأت, قطبت حاجبيها وفردتهما وقطبتهما ولوت فمها بابتسامة واعادت طي الورقة ووضعتها في يده .. لم تستطع ان تقاوم رغبتها في ان تشير الى تلك الكلمات الغربية في الرسالة مع ان المشاعر الصادقة التي كانت تحتويها وصلت اليها وغمرتها ..
ــ لم افهم
واوضحت عندما رأت ذهوله ــ لم افهم رسالتك, الكتابة غامضة ولم افهمها, تسألني اذا كنت تحبني ؟ وتنتظرني؟ وجوابي هو لا ادري, وهناك كلمات لم اعرف معناها .. واشارت الى الكلمة بعد ان اعادت فتح الرسالة, اغراظ !! انأ !! وابتسمت له وهو لا يزال في قمة ذهوله ــ انا اعرف طيبتك, لكن اخبرني واشارت الى سيارة واقفة بعيدا مهملة ...
ــ هل يمكن ان توصلني بتلك السيارة ؟
ــ لا استطيع لانها عاطلة, مكسورة
ابتسمت ووضعت الورقة في يده من جديد ــ اراك غدا بكل خير.
رفع عادل رأسه الى الراوية والشرر يتطاير من عينيه وقد امتقع وجهه غضبا ..
ــ كنتِ تعرفين ان الكلمات خاطئة
ــ اجل اعرف (اجبته وانا ابتسم )
ــ لا تبتسمي هكذا .. لماذا لم تصححي لي قبل ان تجعليني ارسل الرسالة اليها ؟
ــ انت عنيد ولا تهتم لكلامي اكثر من مرة اخبرتك ان تنتبه لما تكتب وان تلتزم, في مناسبات اخرى عندما قدمت طلبا للعمل وعندما ساعدت ابنة اختك في دروسها وعندما كتبت خطبة عصماء لصديقك وقد اخذها فرحا لانه هو الاخر ... مثلك و ..
ـــ اجل اذكر لا داعي لتذكيري, واذكر ايضا ابتسامتكِ في حينها.. لكن كان من واجبكِ وانتِ الراوية ان تنبهيني.
ــ اكرر انت عنيد كيف يمكن ان اساعدك!
ـــ وما العمل الان ؟ لقد احرجت نفسي
ــ هي ستفهمك
ــ وانا؟
ــ اقرأ ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* القصة الفائزة بالجائزة الثانية للقصة القصيرة في مسابقة اليوم العالمي للغة العربية التي أقامها المركز الثقافي البغدادي (مع حجب الجائزة الاولى )
القصة منشورة في موقع النور
0 التعليقات:
إرسال تعليق