رنّ الهاتف بإصرار، وبإصرار لم يردّ على المتّصل، تركه يرنّ حتى توقّف، وتكرّر الأمر مرّةً وثانيةً وثالثة...
التقط مفاتيح السيارة بسرعة وغادر الشقّة تاركاً الهاتف يواصل رنينه... هو يعرف أنّ صديقه لن يتوقّف عن الاتصال، المبلغ الذي اقترضه منه, منذ خمسة أشهر تراكم ببشاعة...!
أخذ نفَساً عميقا قبل أن يطرق الباب...
ابتسمت له والدته بحنان وهي تلمح تقطيبة جبينه ... لم تسأله ... هي تعرف وقد خاضا هذا النقاش مرّات ضاع معها العد ولم يتوصّلا إلى توضيح وجهتي نظرهما... فكلّ منهما يحاول تسلّق فكرة يبني عليها مستقبلاً يبقى مع كلّ النقاش مجهولا...
ــ متعَب؟
ــ قليلا!
ــ العمل؟
ــ نفسه لا جديد!
ــ جائع؟
ــ لا!
ألقى بجسده على الأريكة الوثيرة ... ابتسم حين مدّ يده بين طيّاتها متلمّساً قلم رصاص قديماً كان قد انزلق منه منذ سنوات هناك... هدوء، صمت إلّا من اغنية قديمة تحبّ والدته أن تسمعها بين حين وآخر... (هذا مو إنصاف منك...)
عَبِق البيت برائحة الشاي مع "الهيل"، بعد كلّ هذه السنوات ما يزال هذا العطر غريباً في الحيّ ... أغمض عينيه... لم ينم منذ ثلاثة أيام، لا يجد حلّاً لمشكلتهِ، الأرق أصبح روتيناً... مثل الخيبة ... أراح رأسه لدقائق قليلة…
نهض فزعاً على صوت سيارة الإطفاء وهي تخطف مسرعة ...ملأت أنفه رائحة "الهيل" من جديد ... تذكّر أنّه يجب أن يعود إلى شقّته قبل الذهاب إلى العمل...
ــ ماما أنا خارج (بصوت مرتفع)
_ حبيبي عد إلى هنا بعد العمل
_ ربما!
الطريق إلى شقته مزدحم على غير عادة ... سيارة إطفاء أخرى وإسعاف .. أصوات مزعجة ... اقترب أكثر .. يا إلهي هذه شقتي...
قالها بشهقة عالية ... فكّر سريعاً .. أغراضي؛ هاتفي، ملابسي، كلّ شيء، أوراقي معها … كتبي القديمة... نظر إلى اللهب المتصاعد بذهول لا يعرف كيف اندلع الحريق.. البيوت خشبية تنتشر فيها النار بسهولة ... فكّر بسرعة… ياويلي الكثير من الأعمال الورقية... الشرطة… استخراج الأوراق الرسمية... التأمين… كلّ القلق خلق حفراً في رأسه… في جسده… منذ زمن بعيد... عاد إلى البيت نظر في عيني أمّهِ كأنّه يبحث عن عالم بعيد جدّا… حلمٍ بعيد جداً...
_ ماذا حدث؟؟
_ احترقت الشقّة وكل شيء .
وضع رأسه على كتفها وأجهش بالبكاء... احتضنته بقوة
_ سيكون كل شيء بخير... أنت هنا الآن ... بأمان!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق