نقف امام المرآة كلّ صباح على عجل لنسابق عقارب الساعة
التي تأكل أفئدتنا بمطارقها التي لا تتوقف، دون أن نمعن النظر في وجوهنا ..
تجاعيدنا، لون أعيننا .. دون أن نعرف انفسنا ونحاسبها ونتحاور معها ... نجري لنلحق
بيوم آخر لا يضيف إلّا إرهاقا جديدا الى سنواتنا .. من نحن وما الذي فعلناه خطأ؟!!
سؤال هو أبو الأسئلة وأمّها .. ومن الشجاعة، التي تفوق
شجاعة من يواجه أسدا ضاريا جائعا او رصاصا مدويّا، أن نجيب انفسنا بصدق تامّ؛ ما
الذي فعلناه خطأ؟!
طبيعة الاشياء فرضت علينا في الغالب كلّ خياراتنا؛ الدين
, الارض , الجنسية , الوطن , الاهل, وفي المجتمعات التي يقال عنها ظلما وإجحافا
وتعاليا "مجتمعات متفسّخة" استطاع افرادها بعد معاناة وتحلٍّ بشجاعة
المحاربين وبعد عدّة خسارات، استطاع أفراد هذه المجتمعات أن يرسّخوا مفهوم أهميّة
الأنسان فوق كلّ شيء آخر, أهميّة احترام اختياراته، حريّته، رغباته، وبالتالي فسح المجال لنجاحه
وتطوره، هذه المجتمعات عانت ضغطا دينيّا واجتماعيا وسياسيا دفعت ثمنه غاليا على
مرّ العصور لكن مع الظلم والخسارات يوجد ايضا أبطال يواجهون الظلم، وحين توجد
البطولة توجد الحياة .. والمستقبل .
لنواجه أنفسنا, ولنتحلّ بالشجاعة ونشخص اخطاءً تراكمت
وتوسّعت في مجتمعاتنا التي تسمّي نفسها ملتزمة دينيا واجتماعيا، لنكن واقعيين
وندرك أنّ المظاهر التي أدمنّا على تمثيلها هي التي تعمي أعيننا عن رؤية الخلل في
مجتمعاتنا، وتخلق لدينا وهما بالالتزام الديني والاجتماعي.
كثرة المظاهر الدينية لا تعني أنّنا نخاف الله، وكثرة
المساجد والجوامع والمناسبات الدينية لا تعني أنّنا نحسب حسابا لله .
الكذب، الغشّ، الخداع بين الناس، التحايل على القانون،
عبادة الاشخاص، استسهال القتل للثارات وغيرها خيانة الوطن والجار والاهل , خيانة
الذات، التقول على الاخرين، كل هذا تفسّخٌ استشرى في مجتمعاتنا تحت غطاء ديني محكم
الإغلاق، لا يترك مجالا للهواء النظيف أن يدخل، ولا لأشعة شمس الفكر النيّر
والحرية والكرامة أن تنير طريق أجيال جديدة ترزح تحت نير هذه المظاهر التي تخدم
مصالح فئة على حساب أخرى مستغلّة كلّ وسيلة لإلغاء الانسانيّة وسحقها.
عندما نترك المظاهر ونحكّم ضمائرنا واخلاقياتنا البسيطة
والواضحة ونقود مصائرنا، عندها فقط يمكن ان نعود عن كوننا نحن المجتمعات المتفسّخة
أخلاقيا ودينيا.
تجمّعت كلّ هذه التداعيات كما تتجمّع برادة الحديد عندما
نقرّب منها قطعة المغناطيس في تجربة درس العلوم الشهيرة في إثبات المغناطيسية،
تجمّعت عندما طرق نافذتي الاستاذ "غفار عفراوي" حاملا سؤالا مهمّا حول
ازدياد حالات الطلاق في العراق، مقارنا العراق " الملتزم اجتماعيا "
بالدول الغربية " المتفسخة " : وكيف لا تزداد استاذي الكريم ولها أسباب
اولها يبدأ بوصف مجتمعنا " ملتزما " دينيا واجتماعيا، مرورا بترسّخ
الجهل والعنف والبطالة وانعدام المستقبل والدافع في السعي إليه .. وليس آخرها
الاجبار لصلة القرابة او الفصل العشائري او لكبر عمر الفتاة او الفتى او للكسب
المادي من وراء صفقة الزواج، وكيف لا يزداد الطلاق وكلّ المفاهيم والقيم الأخلاقية
أصبحت حالة نسبيّة تزيدها وتنقصها المصالح .. أسألك بالله؛ أليس للزواج الناجح سبب
واحد وهو الحب ؟ فكم من حالات الزواج في العراق كان سببه الحب 1% ان لم تكن صفرا،
فأيّ سبب آخر هو الى زوال تاركا وراءه إنسانين محطّمين نفسيا وروحيا وحتى
اجتماعيا، فضلا عن عدم النضج النفسي للإنسان العراقي رجلا كان أو امرأة فكلاهما
مهما تقدم بهما العمر لا يملكان من التجربة الحياتية ما يؤهلهما لتكوين عائلة
مستقلّة بعيدا عن تدخّل الأهل والأقارب العشوائي. كيف لا تزداد بالله عليك وليس
هناك أرض مستقرّة تبنى عليها العائلة؟!! فالوطن ممزّق بين الحروب المفتعلة ويسوده
مبدأ الخيانة المرحّب بها على صعيد الحكومة ورجال الدين على حدّ سواء مباركة من
الجميع بوازع من التطرف الطائفي . وان سادت الخيانة ساد التفسّخ كلّ مجالات الحياة
يجرّ في أذياله الكذب والاستغلال والسرقة والتحايل على القانون الذي لا سيادة له
اصلا في ظلّ حكم العصابات ... كيف لا تزداد حالات الطلاق وليس هناك وعي اجتماعي
لأهمية الفرد وفاعليّته؟! وليس هناك تربية نفسية صحيحة ولا تربية اجتماعية علمية
ناضجة.
فلا أرى مبرّرا لاستغرابك استاذي الكريم، بل إنّ النتيجة
الطبيعية لمجتمع تسوده كلّ هذه الفوضى أن يكون الطلاق ضمنها، فحين لا تكون هناك
قدسيّة لحياة الانسان واحلامه لا تكون هناك قدسيّة لأيّة قيمة أخرى.
0 التعليقات:
إرسال تعليق